تمهيد :
يتفق الجميع على أهمية القانون والحاجة له في ضبط التفاعلات الاجتماعية بكافة مستوياتها وضمان عدم تعارضها أو تضاربها.
فمنذ نشأة البشرية الأولى والإنسان في بحث مستمر عن آليات منظمة لحياته العامة بداية من الاعراف الاجتماعية البسيطة التي ابتكرها وحتى انتهائه بالدساتير التشريعية المتقدمة التي تُعد المظلة العليا لتوجيه القوانين واللوائح باتجاه يخدم المجتمع ويحقق له السلام والطمأنينة في حدود إطاره المكاني والزماني.
المعضلة:
هي خطر إتحاد الحصانة المقدسة والصلاحيات المطلقة_الممنوحة قانونا_للحاكم الإداري على حرية الراي والتعبير لجميع أفرد المجتمع.و التي تُعد"حرية الرأي"أول وأهم الحريات المنشودة للفرد كامل الأهلية،فقبل ان يجروء الانسان على الكلام بحرية مطلقة لن يتجرأ على عرض طموحاته أو الاعتراض والرفض لأي شكل من أشكال الظلم والاستبداد.
حيث أصبحت آلية "الحصانة والصلاحية" بمختلف درجاتها القانونية العصا الغليضة التي لاتفرق بين المطالب المشروعة والغير مشروعة.تستخدمها السلطة في تكميم الأفواه ومصادرة الحريات والمطالب اياً كان توجهها تحت أعذار حصانة الذوات الملكية و الأميرية.
مما أربك السلم الاهلي والتوازن الاجتماعي والطبيعي بين الحاكم والمحكوم وأفقد المجتمع خاصية التعبير الشفاف والمسائلة والمحاسبة.حيث عمل المسؤول على تحصين نفسه أمام النقد وعسف المواد القانونية لتلبية رغباته وطموحاته المستقلة خارج الإرادة والشرعية الشعبية،فضاعت الآمال وتعرضت المطالب الاصلاحية للإجهاض وأودع بدعاتها السجون!.
وفيما يلي بعض النماذج لمواد دستورية وتنظيمية يتضح فيها خطر الحصانة على حرية الرأي والتعبير في كل دولة من دول مجلس التعاون على حده،ومايترتب عليها من أحكام وعقوبات لاحقة:
الكويت:
المادة ٥٤ الأمير رئيس الدولة، وذاته مصونة لا تمس_الدستور الكويتي_١٩٦٢م
الحكم على سارة الدريس عام ٢٠١٣م بالسجن سنة وثمانية أشهر لتغريدات على موقع التويتر أتهمت بسببها بالمساس بالذات الأميرية.كما حكم على القيادي والنائب السابق مسلم البراك بحكم مبدئي بالسجن خمس سنوات بتهمة المساس بالذات الأميرية لكلمة ألقاها في أكتوبر ٢٠١٣م.
قطر:
المادة ٦٤ الأمير هو رئيس الدولة. ذاته مصونة، واحترامه واجب_دستور قطر_ ٢٠٠٤م
محمد راشد حسن العجمي"ابن الذيب" اعتقل في عام ٢٠١١م وحكم عليه بالسجن ١٥ عام
لقصيدة انتشرت في اليوتيوب أعتبرت تحريض على قلب نظام الحكم والاساءة إلى أمير البلاد.
البحرين:
الملك رأس الدولة، والممثل الأسمى لها، ذاته مصونة لا تمس، وهو الحامي الأمين للدين والوطن، ورمز الوحدة الوطنية_دستور البحرين_٢٠٠٢م
الحكم على الناشط نبيل رجب بالسجن ثلاث سنوات بتهمة المشاركة في تجمعات محظورة وإهانة المسؤولين والتشكيك في وطنيتهم.
عمان:
المادة ٤١ السـلطان رئيس الدولـة والقائد الأعلى للقوات المسلحة، ذاتـه مصونـة لاتمس، واحترامـه واجب، وأمره مطـاع_النظام الاساسي للحكم_١٩٩٦م
حكمت محكمة الإستئناف على بسمة الكيومي وسعيد الهاشمي ومجموعة من النشطاء العمانيين أحكاماً بالسجن لمدد تتراوح ما بين ستة أشهر وسنة في ديسمبر عام ٢٠١٢م حيث وجهت لهم تهم مزعومة تتضمن إعابة السلطان، وخرق قانون المعلومات،التجمع غير القانوني، وتكدير النظام العام.
السعودية:
لايتضمن النظام الاساسي للحكم السعودي أي مواد تشير الى حماية الذات الملكية من الانتقاد،إلا انه تم رفض الكثير من المطالب الحقوقية والسياسية ومحاسبة المطالبين بها تحت لوائح عقابية أخرى_كنظام مكافحة الجرائم المعلوماتية_والذي يذكر في مادته السادسة: يعاقب بالسجن مدة لا تزيد على خمس سنوات وبغرامة لا تزيد على ثلاثة ملايين ريال،أو بإحدى هاتين العقوبتين؛ كل شخص يقوم بإنتاج ما من شأنه المساس بالنظام العام ، أو القيم الدينية، أو الآداب العامة، أو حرمة الحياة الخاصة،الخ.
وقد حكمت المحكمة الجزائية في الرياض بحل جمعية (حسم) ومصادرة أموالها وإغلاق نشاطاتها والسجن على اعضائها عبدالله الحامد ١١ عام ورفيقه محمد فهد القحطاني ١٠ أعوام "بناء على المادة السادسة في نظام الجرائم المعلوماتية" وذلك لمطالبهما العامة بالمملكة الدستورية والإصلاحات السياسية.
الامارات:
المادة 29 السجن والغرامة(تصل إلى 1 مليون درهم)،لأيّ شخص يستخدم تكنولوجيا المعلومات بقصد السّخرية أو الإضرار بسمعة ومكانة مركز الدولة، أو أيّة مؤسّساتها، بما في ذلك الرئيس أو نائب الرئيس، وحكّام الإمارات، وأولياء العهد أو نوابهم، وعلم الدولة، والسّلامة الوطنية، وشعار الدّولة والنشيد الوطني، أو رموزه_قانون مكافحة جرائم تقنيّة المعلومات_٢٠١٢م
الحكم على الناشط وليد الشحي المعتقل في مايو ٢٠١٣م بالسجن لمدة سنتين وغرامة نصف مليون لتغريدات نشرها على حسابه بموقع التويتر تخص محاكمة متهمين إسلاميين.
وغيرها المئات من الحالات والنماذج في نفس السياق!فيما جاء القانون الدولي واضح في ضرورة تحمل المسؤولين الرسميين قدراً أكبر من الانتقاد عن الذي يتحمله المواطن العادي بما يوازي حجم صلاحياته الواسعة.
كما أوضحت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان التي تُصدر تفسيرات مُلزمة لمعايير حرية الرأي والتعبير الواردة في المادة 19 من العهد،" أن إهانة الشخصيات العامة لا تبرر إنزال عقوبات وأكدت على أن الشخصيات العامة "ومنهم من يمارسون أعلى صلاحيات السلطة السياسية مثل رؤساء الدول والحكومات" أنهم أهداف مشروعة للانتقاد.
إن الهالة التي أحاط بها الحاكم الخليجي نفسه تعد تقديساً مبالغاً فيه،وتمنحه أرضيّة قانونيّة فضفاضة لمحاكمة الأشخاص المطالبين بالإصلاحات السّياسية وغيرها من الحقوق.خصوصا وان منصب الحكم ليس منصب شرفي كما هو معمول به في أغلب دول الغرب الملكية،بل منصب إداري ذو سلطات تنفيذية واسعة يتعلق مباشرة بحاجات وطموحات ومصائر الشعوب،ومن هنا كانت الشرعية للمواطن والحق في نقد الاداء الوظيفي للحاكم والرقابة عليه بعيداً عن الإساءة والتجريح الشخصي،سعياً نحو تحسين المعيشة وتطوير الحياة،ففي الدول المتقدمة تسمح الدساتير برقابة الرئيس ونقد أداءه الوظيفي واستجوابه في ظروف معينه من خلال المجالس النيابية المنتخبة.
التوصيات :
١- اعادة صياغة المواد الدستورية وجميع لوائح العقوبات بما يتناسب مع حرية الرأي والتعبير وبما يضمن نفاذ المعاهدات والاتفاقيات الدولية.
٢-وضع معايير دقيقة تستند على الأعراف الدولية لتوضيح وتعريف المبادئ العامة لحق الرأي والتعبير.
٣- إلغاء كافة القوانين المعيقة لحرية الرأي والتعبير.
٤- الإفراج الفوري، ودون قيد أو شرط، عن كافة السياسيين و المدافعين عن حقوق الإنسان المعتقلين لممارساتهم حقوقهم في حرية الرأي والتعبير،بالإضافة إلى إسقاط كافة التهم المتعلقة بممارساتهم لهذه الحقوق والحريات.
٥-المصادقة على ميثاق جديد يكفل حق الرأي والتعبير بما لا يدع مجالاً للبس و التشكيك.
علي آل حطاب
كاتب وناشط حقوقي
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق