نظام قانون الإرهاب والجماعات السعودي .. إلى أين؟
2014-2-8 | د. سلطان الجميري
بقلم: د. سلطان الجميري / باحث وكاتب ومدون سعودي
كم تتوقعون نسبة من قرأ الـ(٤١) مادة من نظام الإرهاب الجديد (السعودي) كاملة، وكذلك القرار الذي بعده بشأن الجماعات الإسلامية والقتال في الخارج؟
في نظام الإرهاب الجديد، لم يكلف الناس أنفسهم قراءته كاملاً، رغم أن كثيرا منهم قد تقع كلماته في أي وسيلة إعلامية تحت طائلة إحدى بنوده، هل لهذا تفسير؟
الجواب: نعم! والسبب لأن مصطلح "الإرهاب" ارتبط تعريفه بعمليات العنف، والناس في داخلها لا تعترض على هذا، فمباشرة يتصورون عقوبة جديدة موجهة للإرهابيين.
الجديد في النظام كله ..هو تعريف جديد للإرهاب والعملية الإرهابية ،، وتفاصيل جديدة لم تتعود عليها الذهنية التي لا ترى للإرهاب تعريفا سوى العنف.
أما القرار الآخر المتعلق بالجماعات والقتال، فكثير من الناس سمع بـ(المبتدأ) ولم ينتظر (الخبر)، وكل الذي علق في أذهانهم هو القتال والتحريض عليه، مع أن القرار الثاني تم ربطه بالأول في "تسري على الأفعال المنصوص عليها في البند أولاً من هذا الأمر الأحكام المنصوص عليها في نظام جرائم الإرهاب".
هل عدم قراءة الناس لتفاصيله أو فهمهم له يعتبر "مشكلة" عند من سنه وشرعه.. وكذلك عند الناس أنفسهم والمعنيين به! دعونا ندردش حول هذا الموضوع !
بلا شك، هناك أهداف يراد تحقيقها من هذين القرارين، ولعل بعضها ذكر في القرار الثاني من ناحية: الأمن ووحدة الأمة وتآلفها وغيرها ..
لكن باستقراء سريع في المواقع الاجتماعية..الرسالة فهمت بأنه قمع لأصوت المطالبين بالإصلاح، أو ما يسمى بالعملية السلمية وتبرير لحملة اعتقالات.
هل هذا شعور عام يراد تحقيقه .. ربما "نعم" ،، حسنا إذا كان هذا هدف في الأصل، فأين المشكلة .. صاحب القرار يريد كذا؟ الجواب: كل هدف يتحقق في الظاهر تحت "الخوف والقمع" يقابله مشكلة اجتماعية، قد تتسبب في كارثة مستقبلية للجميع، وهي مشكلة تنمو بعيدا عن عين المراقبة.
الناس يقدمون خدمة جليلة للمسؤول حين يعبرون عن ردة فعلهم لأي قرار في الظاهر، لأن ذلك يمكنه من قياس مدى الغضب أو الاستياء الذي بلغ بالناس.
حين يضطر الناس لإخفاء مشاعرهم وغضبهم عن الضوء، واستمرار الحديث علانية بشيء وفي الخفاء بشيء آخر، تتشكل "الشخصية المزدوجة" التي تهبط بالأخلاق.
شيء آخر غير "الشخصية المزدوجة"، وأمره خطير، وهو المصير المشترك، يبدأ الناس يشعرون بأنهم حالة واحدة تحت القمع، فيبنى في داخلهم رغبة في الخلاص موحده.
وأخطر نقطة ممكن أن يصل لها مسؤول .. أن يتمايز موقفه عن موقف الشعب في قضية داخلية أو خارجية بشكل يصل فيه التمايز إلى رجل الشارع البسيط.
كتب (الشاعر) تميم البرغوثي عبارة جميلة اليوم .. تستحق التأمل: "إنك تستطيع أن ترسم صورة بحر على حائط، لكنك لن تستطيع أن تسبح فيه".
هل يمكن إقناع الناس بأن العملية السلمية والمطالب الإصلاحية "إرهاب" سوف يعاقبون عليه؟ هذا السؤال صحيح، لكنه جاء في الوقت الخطأ ..
السؤال الآن: كم من الناس يمكن تطبيق قانون الإرهاب عليهم؟ وإلى أي حد يمكن تطبيقه .. ! قراءة واحدة للقرارين يبرز في ذهنك الآلاف من الناس،،
نعود للسؤال الخطأ: هل يمكن إقناع الناس بأن العملية السلمية إرهاب؟ نعم ظاهرياً ..لا في دواخلهم! فوق هذا سوف نحتاج إلى أجيال متتالية (وقت).
وفوق الوقت سوف يحتاج القرار إلى آلة إعلامية كبيرة تشمل: المناهج، المساجد، الإعلام المرئي! ليتم إدخال هذه الفكرة وتكرارها على العقل السوي.
أكبر ورطة ستواجه الشرعيين هي: "محاولة الجمع بين رضا الله ورضا المسؤول والتماهي مع القانون"، وفي كل الحالات سيشعرون بألم لم يشعروا به من قبل.
أحمد بن حنبل، رحمه الله يقول: "إذا سكت العالم وجهل الجاهل فمتى يتبين الحق".. ستصبح القراءة لأحمد بن حنبل وابن تيمية مؤلمة جدا ..
قضية أخرى ستصبح مصدر قلقل مستقبلي .. الذين خرجوا للقتال في سوريا أو غيرها ..! هل سيعودون بعد القرار، الجواب "لا" .. حسناً ماذا بعد سوريا؟
شاب أنهى من القتال في سوريا .. السجن ينتظره إذا عاد ..! ماذا سيصنع! بماذا سيفكر؟ له أقارب وأهل في الداخل وو..هذه إشكالية مؤجلة ..
قضية المقاتلين في الخارج ،، أقل نقاشا .. لأن هناك صورة بطريقة أو بأخرى تربطهم بـ"الإرهاب" ،، فموضوعهم ممكن تفهم منطلقاته.
لكنَ الناشطين في مجال الحقوق والإصلاح السلمي .. من يحاول مد يده للوطن والتضحية لأجله .. ربما اندرج نشاطه تحت أحد بنود الإرهاب .. ودُمغ به.
الإشكال حقيقي، لأن الناس ستتحزب في الظلام، وربما نشأت جماعات سرية خطرة .. تستنزف العمل الأمني في وقت تعددت الأخطار الخارجية ..
سيعود الناس ربما للأسماء المستعارة .. وأول شيء تقدمه الاستعارة هي "الحرية غير المنضبطة".. وعدم تحمل المسؤلية ..
سيختلط تحت الأسماء المستعارة .. المخلص الذي يخشى مآلات نظام الإرهاب ،، مع من له أجندة أخرى غير مصالح الوطن .. ويتساوى الاثنان أمام المتلقي.
مساحة الحرية كلما اتسعت ..اتسعت رقعة الأمان ،، وبقدر خنقها تزيد المخاوف وتتضاعف الشكوك .. ويكثر الضحايا ويخسر الوطن بخنقها أكثر مما يكسب.
لكم أن تتأملوا: لو تم اعتماد جماعة الإخوان إرهابية فعلا صراحة بالاسم خلال الشهر القادم وضُربت غزة؟ ماذا سيكون مآل المتعاطف معها بالقانون؟
قالت غانية لأبي العيناء: هب لي خاتمك أذكرك به، فقال: اذكريني بالمنع! وأقول: القمع يعلق بالذهن ..برائحة ثيابنا بالجدران .. بحلوى أطفالنا..
ذكرت مثال "ضرب غزة" لمحاول التفكير في خيارات الناس مستقبلا بعد كتم مشاعرهم خوفا من قانون الإرهاب ..! هل يُسرَون بمشاعرهم لبعضهم؟؟
ننظر مثلا المادة رقم ٢٢ "يعد التآمر بين اثنين أو أكثر لتنفيذ جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا النظام ظرفا لتشديد العقوبة".
ماذا يعني تآمر في المادة؟ وإذا نظرنا إلى قرار الجماعات، وأعلنت جماعة الإخوان إرهابية .. فغزة وأهلها والتعاطف معهم بأي شكل ،، قد يدرج تحتها.
إذا تم تطبيق كل بند في القرارين على الناس، فسيفضي بالكثير للاعتقال بطريقة مخيفة ،، وإذا تم التغاضي عن حالات معينة .. فستذهب هيبة القانون ،،
كان بالإمكان تجريم الأحزاب والجماعات الإرهابية كما هو معمول به .. وترك غيرهم يتحدثون على مرأى من أجهزة الحكومة ،، لأن اختفاءها فجأة مشكلة.
نجحت الدولة في الماضي كثيراً في سياسية "الاحتواء" .. والآن لا أحد بوسعه التنبؤ بنتائج مناكفة الجميع ..على جميع المستويات.
استيقظ الليبيون يوما على صورة حذاء في التلفزيون لمدة ٢٤ ساعة، لم يستطع أحد منهم أن ينكر، فبلعوا المشهد، بكوا في داخلهم والنتيجة لم يسبح في بحر رسمه.
الذين يصارحون الوطن في أحلك الظروف هم أصدقاؤه، حتى ولو كانوا يقولون "مراً"، لأنهم صادقون! لدى كثير من المصلحين شعور أنهم في مركب يخشون عليه.
كان عبدالحكيم عامر يقول طائراتنا تقصف العدو .. وكان الإعلام المصري يكبر ويهلل .. وكان الواقع يقول: طائرات مصر تُحرق في مكانها!
ياااه ..لازلت أتذكر ،، كانت جميع التيارات تتحدث في الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعية عن ضرورة إغلاق ملف المعتقلين! اليوم ربما "ادخلوها زمرا"..
قريبا سنشدو: "غرسوا الشوكة في حلقي وقالوا: أيها البلبل، غرد!! زرعوا الآهة في صدري وقالوا: لا تقل: إني حزين ..لا تردد"..
ختاماً: أشياء كثيرة لست متأكدا منها مستقبلاً.. ولا أعرف مآلاتها ،، شيء واحد متأكد منه .. لن يموت في قلبي أمل .. ولن يعود النهر إلى مجراه .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق